دعوا الساحة العراقية لتفاعلاتها

.

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
12/01/2010 06:00 AM
GMT



هناك توقعات ومخاوف وهواجس بأن الانتخابات البرلمانية القادمة في مطلع آذار ستكون انتخابات إقليمية بامتياز، أي سيسهم بها عدد من دول الإقليم المنغمسة في الشأن العراقي ومظاهر هذا الانغماس ستكون على مستويات وبحجوم متعددة، إلا أنه مع اليقينية بأن الدول اللاعبة في الساحة العراقية تشعر بأن هذه الانتخابات مفصلية وستحدد شكل العراق القادم وأنها فرصتها السانحة لكي تعطي لهذا التشكل القادم الملامح المنسجمة مع توجهاتها أو على الأقل غير الضارة بها، لذا أمام ذلك تصبح محاولة إقناعها بالوقوف على الحياد وترك الساحة العراقية لتفاعلاتها هي ضرب من العبث ودعوة لها لتفويت فرصة سانحة، مع ذلك لا بد من إسداء النصيحة وإن هي بدت تشتق صعوبتها من كونها عكس التيار.
غاية التدخل، أو أي تدخل، بديهيا، هي تقوية جبهة الأصدقاء وإضعاف الخصوم، وإن أخذ ذرائع أو استظل بأغطية مختلفة، وهنا سأستخلص بأن تفاعلات الساحة العراقية «وديناميكيتها» ستفعل ذلك دون حاجة للتدخل، وبذا تستطيع دول الإقليم أن تلتزم الحياد وتوفر مالها وجهدها وتحتفظ بمسافة واحدة عن الأطراف المتصارعة.
فلجهة ترصين وتكتيل جبهة الأصدقاء وجعلهم قوة انتخابية صلدة وتجنب التنافس البيني المؤذي بينهم وضياعات الأصوات، وللحيلولة دون إعطاء فرصة للخصوم والمتنافسين الآخرين لكي يشكلوا كتلا أكبر وما يستتبعه من أخذ المناصب الحكومية الرأسية وتقرير التوجه القادم، فقد عملت إيران على حث أصدقائها وتشجيعهم، ناهيك عن الضغط عليهم للبقاء ضمن ائتلاف واحد في حين على الجهة الأخرى، وإن بفاعلية أقل، عملت تركيا على حث السنة للدخول مجتمعين في جبهة واحدة، ولكن بالمحصلة لم ينفع كلا الضغطين، لأسباب عدة منها رؤية الأطراف المحلية لمصلحتها الانتخابية، أو بسبب التشققات العميقة بين قوى المكون الواحد، أو لشخصنة التنافس، أو لملاقاة تبدلات مزاج الناخب الذي بات يفضل الخيار الوطني، أو لإدراك من هذه القوى السياسية بأن هذا الخيار، أي الوطني، هو الوحيد الكفيل بإخراج البلد من أزماته ولتجنيبه دخول نفق الطائفية المزمن ولإيقاف تواتر المحاصصة الذي سيقود إلى احتذاء الوجه الفاشل من النموذج اللبناني، أو لوجود ضغوطات دولية وعربية مواجهة أقوى نجحت باتجاه رسم خارطة أخرى للتكتلات.
هذا لجهة تقوية الأصدقاء، أما لجهة إضعاف الخصوم، فإنهم كفيلون بأضعاف بعضهم البعض دون حاجة أن يحمل الآخرون عنهم وزر ذلك، وأدلل على ذلك بالسعي الحاصل لإمرار قانون السلوك الانتخابي، الذي عطلت حتى الموازنة العامة وقيدت به وهي، كما هو معروف، الشغل الأول لكل المجالس النيابية في العالم، دون الاكتراث بثمن هذا الاقتران القسري حتى ولو كان إعاقة عمل الدولة إذ لم يكن هو أحد أهدافه، فسنترك جانبا ما لا خلاف عليه فيه وهو الغطاء الذي توخاه، أي إجراء انتخابات في أجواء سلمية وحيادية ومتساوية الفرص، وأركز على مسألتين فيه، للتدليل على مقاربتي، الأولى جعل الحكومة حكومة تصريف أعمال، والثانية إشراك مجلس الرئاسة بكل القرارات التنفيذية وجعلها باطلة دون موافقته (المادة 25 من القانون)، وهي بيت قصيده، فعادة ما تتحول الحكومات إلى حكومات تصريف أعمال لا تمارس السلطات إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال وتمارس الأعمال الإدارية العادية التي لا تتسم بالأعمال التصرفية، أي تلك التي تنشئ حقوقا جديدة تلزم الحكومة التي تأتي بعدها، وهي تمنع من ذلك لكونها لا تعتبر مسؤولة عند ذاك عن أعمالها أمام مجلس النواب، فتتحول الحكومات عادة إلى حكومات تصريف أعمال عند إقالتها أو استقالتها أو قبل نيلها الثقة، وهذه الحالات الثلاثة لم تصل إلى أي منها الحكومة الحالية، لذا إذا ما أريد لها أن تتحول إلى ذلك فهي ستنتقل إلى تلك المرحلة آخذة معها الرئاسة نفسها ومجلس النواب، علاوة على ذلك فإنه حتى حكومة تصريف الأعمال عادة ما تسترد سلطتها إذا ما طرأت ظروف استثنائية ووضع أمني يهدد استقرار البلاد، والحالة العراقية ينطبق عليها تحديدا هذا الوصف يوميا.
الثانية التي يستهدفها هذا القانون، جعل السلطة مشتركة بين رئيس الوزراء والرئاسة، أي بعبارة أوضح تحويل النظام السياسي إلى نظام مشترك، مثل النظام الفرنسي، فهنا الأطراف المتصارعة وفي سبيل حرمان الحكومة من أي بريق انتخابي، أو توظيف للإمكانات كما تتهم، فلا مانع من أن يحول النظام السياسي فعليا من برلماني إلى مشترك، ففضلا عن تناقض ذلك مع الدستور ومع الديمقراطية، فإن المفارقة أن الشيعة الذين، وبسبب من أغلبيتهم الديموغرافية، يراهنون على بقاء هذا المنصب لديهم، إلا أنهم، وفي تنافسهم وصراعهم الانتخابي، لم يتوانوا عن شل يد حكومتهم وإشراك آخرين في سلطتهم ورهن إرادتهم بهم، وهنا ألفت مرة أخرى إلى أن حامل لواء الإضعاف والتقييد والمؤسس لسابقة ارتهان المنصب التنفيذي الأول هو ليس خصومهم بل هم الشيعة المتنافسون أنفسهم.
وهذا يجب أن لا يستحق اللوم لكونه جزءا من حراك وديناميكية المشهد السياسي وضرورة تركه لتفاعلاته، وهي مرحلة طبيعية وصلها بأن يصبح التنافس على أسس ودواع سياسية وليس طائفية - إثنية، وهذه تحديدا الزاوية التي يجب أن ينظر إليها الإقليم أي بالكف عن النظر إلى الشيعة ككتلة سياسية - طائفية، فإن ذلك قد صح في طور إثبات الذات وفي ظرف البرهنة على القوة والثقل الديموغرافي، وعاونته أجواء التخندق والشد الطائفي وضمور المطالب الحياتية لمصلحة تقدم الهويات الفرعية، أما بعدها فطبيعي أن ينقضي ذلك وأن تتقدم الاعتبارات السياسية والتي تستجلب هي أيضا صراعاتها والتي يستطيع الجوار أن يعاون فقط بتركها لآلياتها وأطرها المؤسسية لتسريب زخم هذا الصراع.